29 - 06 - 2024

إيقاع مختلف | أين ضمير الوطن وعقله؟

إيقاع مختلف | أين ضمير الوطن وعقله؟

(أرشيف المشهد)

15-12-2011 | 18:20

إنها محنة حقيقية والله تلك التى يمر بها المواطن المصرى فى محافظة كبيرة مثل القاهرة أو الجيزة، حين يكون حريصًا على أن يتعامل مع صوته الانتخابى باعتباره أمانة بالغة العظم، أو درة بالغة القيمة، بحيث لا يليق به ولا يحق له أن يبددها أو أن يضعها فى غير موضعها.

المثل الشعبى الشهير الذى يتحدث عن الباحث عن إبرة تائهة ضائعة وسط تل من القش هو خير وصف ينطبق عليه، خاصة حين يكون مصرًا على ألا يعطى عقله لغيره، وألا يسير فى (الزفة).

فلا الأحزاب قد أعلنت عن برامج حقيقية يمكن بناء عليها الحكم على مدى اتفاقها والمصلحة الوطنية للبلاد، ولا هى قدمت الذين اختارتهم ضمن قوائمها أو حتى للمقاعد الفردية تقديما يسمح لنا بأن نتعرف عليهم من قريب، ولا طبيعة الحياة فى مثل هذه المدن أو المحافظات تسمح بأن يتعرف الإنسان على تاريخ الأشخاص المتقدمين أو نهجهم فى التفكير بل ولا حتى أسمائهم.

المتاح كله هو لافتات عامة للتوجهات، قد تسمح لك بأن تتعرف على عناوين عريضة للنهج المتصور لكل حزب، دون أن تعرف مدى ملاءمة الأسماء (نعم فهى مجرد أسماء) المطروحة لتحقيق هذا التصور العام أم لا، فضلا عن أنك أصلا لا تملك رؤية واضحة للبرامج العملية لتحقيق هذا التوجه، وأغلب الظن أن رجال هذه الأحزاب أنفسهم لا يعرفون.

وسوف تكون محظوظًا جدًا إذا كانت بين المرشحين شخصية بارزة على المستوى الإعلامى، بدرجة تتيح لك التعرف على طريقتها فى التفكير، أو المنحى السياسى الذى تنتهجه، وسوف تكون محظوظًا أكثر إذا كانت هذه الشخصية من أولئك الذين يمتلكون رؤية وطنية واضحة واتساقًا بين ما يقولونه وما يفعلونه.

أما دون ذلك فستجد ذاتك فى غابة من الأسماء التى لا تتجاوز كونها مجرد أسماء، فلا أنت على علم بأى منهم، ولا أنت على ثقة بأن من اختاروهم لتمثيلهم حزبيًا على دراية تامة بقدرتهم على تحقيق رؤى الحزب أو أهدافه، ولا بأن هذه الرؤى وتلك الأهداف واضحة أصلاً فى رؤوس رجال الحزب وفى أوراقهم، فضلاً عن أنشطتهم وفعالياتهم.

أقول هذا الآن وأنا أسترجع فى ذهنى مرحلة بالغة الأهمية من التجربة الحزبية فى مصر، وكيف كان على رأس هذه الأحزاب رجال فى قامة د. محمد حسين هيكل، أو د. أحمد لطفى السيد، فضلا عن سعد زغلول أو مصطفى كامل، كذلك أسترجع ذلك العصر الذى كان فيه المفكرون والأدباء والمثقفون هم نقطة التوازن العظمى وشعلة النشاط المتوهجة فى هذه الأحزاب، فأتحدث عن العقاد أو طه حسين أو زكى مبارك أو غيرهم من القامات الأدبية التى كانت تعنى ببساطة أننا نمتلك أحزابًا لها عقل، فأمثال هؤلاء يمكن أن يعطوك أكثر من معنى بوجودهم داخل السياق الحزبى: فوجودهم يعنى من ناحية أنهم يقتربون من قضايا المجتمع اقترابًا حقيقيًا يحملون خلاله مسئولياتهم وأدوارهم ورسالاتهم، وهو يعنى من ناحية أخرى أن الأحزاب لا ترضى لنفسها أن تكون أحزابًا جوفاء لا عقل لها، ولا تقبل حتى بأن يكون التوجه السياسى وحده هو كل ما يعنيها.

هل يمكن مقارنة هذا بما نراه اليوم من غياب مخل للمثقفين والأدباء والمبدعين عن ساحة العمل الحزبى، نعم أنا أراه غيابًا مخلا بدور كلا الطرفين، فهو أمر معيب فيما يخص المثقفين لأنه يعنى تقاعسهم عن أداء دورهم، وهو أمر معيب بالنسبة للأحزاب لأنه يعنى أنها آثرت أن تصبح أحزابًا بلا عقل، أو على الأقل بلا بعد عقلى فكرى متوهج.

لا أنكر أن هناك أسبابًا حملت كلا الطرفين على هذا النهج لكنى آمل أن يتغير الموقف وأن يعودا معًا إلى ما يثرى العمل السياسى المصرى ويمنحه عمقًا عقلانيًا وحضاريًا مهمًا، كما يضع المثقفين أمام مسئولياتهم الحقيقية فى أن يشكلوا ضمير الوطن وعقله المتوهج. هل من سميع؟ هل من مجيب؟!!!

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان